قصة فاطمة الزهراء(ع)

نُورُ الزَّاهِرُء

كأنَّها كانَتْ تَشْعُرُ بما حَصَلَ لاَُمِّها من مقاطعةِ نِساءِ مكّةَ لَها.. بَل حتّى قَرِيباتِها لم يَعُدْنَ يَسألْنَ عَنْها أو يَتَفَقَّدْنَ أَحْوالَها.. لِذلِكَ فَهيَ وحيدةٌ في بيتِها.. لا أنيسَ لها أثناءَ غيابِ رَسولِ اللهِ صلى الله عليه وآله وسلم عَنْها.. نَعَمْ كانتْ تَشْعُرُ بِما حَصَلَ لاَُمِّها بسببِ زَواجِها مِنْ رَسولِ اللهِ صلى الله عليه وآله وسلم رَغمَ أنَّها ما تَزالُ في ظُلمَةِ

أَحشائِها.. لِذلِكَ رَأتْ مِن واجبها أن تُسلّيها بالحَديثِ مَعَها.. فَأشْرَقَتْ على وجهِ خديجةَ ابتسامَةُ فَرَحٍ بَعْدَ أنْ غَمَرَتْ قَلْبَها سعادةٌ لم تَكُنْ تَشْعُرُ بِها أثناءَ وَحدَتِها..

ـ خديجةُ.. !! مَعَ مَنْ تَتَحدَّثِينَ.. ؟

قَالَها رسولُ اللهِ صلى الله عليه وآله وسلم مُندَهِشاً بعدَ أنْ رأى خديجةَ تُتَمْتِمُ فَرِحةً وكَأنَّها تُكلِّمُ شَخصاً أمامَها.. فقالتْ لهُ : ـ يا رسولَ اللهِ.. الجنينُ الّذي في بَطني يُحدِّثُني.. فَتُؤنِسُني عُذوبَةُ حديثِهِ..

في هذِهِ الأثناءِ.. نَزَلَ الاَمينُ جبرائيلُ عليه السلام .. وَهَمَسَ في أُذُنِ رسولِ اللهِ صلى الله عليه وآله وسلم مِمّا جَعَلَهُ يَبتَسِمُ فَرِحاً وهو ينقُلُ كلامَ جِبرائيلَ عليه السلام إلى زوجتِهِ خديجةَ قائلاً : ـ ياخديجةُ.. إنّها ابنَتي.. نَسمةٌ طاهرةٌ مطهّرةٌ.. وَقَدْ أمرَني اللهُ تعالى أنْ أُسمِّيها فاطمةَ.. وَسَيَجعَلُ من ذُرِّيَتها أئمّةً يُهتَدى بِهم..
مِمّا جعلَ فرْحةَ خَديجةَ تَتَعاظَمُ فملإتْ آفاقَها سعادةً عَوّضَتْها عَنْ حِرمانِ مُقاطَعةِ النِّساءِ لَها..
* * *
تمرُّ لحظاتُ الولادةِ.. وخديجةُ وحيدةٌ لا تُوجَدُ امرأةٌ قُربَها.. ممّا اضطرَّها أنّ تُرسِلَ إلى قريباتِها مِنْ نِساءِ مَكّةَ.. وراحتْ تَنْتَظِرُ حتّى أتاها جَوابهُنَّ : ـ ياخديجةُ.. أنتِ عَصَيتِنا.. وَلَمْ تَقْبَلي مِنّا قولَنا.. فَتزوّجْتِ ذلِكَ الفقيرَ الذي لامالَ لَهُ.. لِذلِكَ لَنْ نَجِيءَ إليكِ..

فَاغْتَمَّتْ خَديجةُ لِذلِكَ غَمّاً شديداً.. وَبَينَما هِي كَذلِكَ وَإذا بِها تَتَفاجَأُ بأربعِ نِساءٍ يَدْخُلْنَ عَليها.. كَأنَّهُنَّ مِنْ نِساءِ قُريشٍ.. فَقالتْ إحدَاهُنَّ : يا خديجةُ لاتَحْزَني.. لَقَدْ بَعَثَنَا اللهُ تَعالى إليكِ.. لِمُساعَدَتِكِ .

كانَتْ تِلكَ المرأةُ هي آسيةُ بنتُ مُزاحمٍ.. وَمَعَها مريمُ بنتُ عِمرانَ وسارةُ زوجةُ ابراهيمَ عليه السلام وصفراءُ بنتُ شُعيبٍ.. فَجَلَسْنَ حَولَها.. وقُمنَ بِواجِبِهِنَّ حَتّى وَضَعتْ فاطمةَ عليها السلام كما قالَ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وآله وسلم طاهرةً مطهّرةً.. تَلَقّتْها إحداهُنَّ.. فَغَسَلَتْها بِماءِ
تمرُّ لحظاتُ الولادةِ.. وخديجةُ وحيدةٌ لا تُوجَدُ امرأةٌ قُربَها.. ممّا اضطرَّها أنّ تُرسِلَ إلى قريباتِها مِنْ نِساءِ مَكّةَ.. وراحتْ تَنْتَظِرُ حتّى أتاها جَوابهُنَّ : ـ ياخديجةُ.. أنتِ عَصَيتِنا.. وَلَمْ تَقْبَلي مِنّا قولَنا.. فَتزوّجْتِ ذلِكَ الفقيرَ الذي لامالَ لَهُ.. لِذلِكَ لَنْ نَجِيءَ إليكِ..

فَاغْتَمَّتْ خَديجةُ لِذلِكَ غَمّاً شديداً.. وَبَينَما هِي كَذلِكَ وَإذا بِها تَتَفاجَأُ بأربعِ نِساءٍ يَدْخُلْنَ عَليها.. كَأنَّهُنَّ مِنْ نِساءِ قُريشٍ.. فَقالتْ إحدَاهُنَّ : يا خديجةُ لاتَحْزَني.. لَقَدْ بَعَثَنَا اللهُ تَعالى إليكِ.. لِمُساعَدَتِكِ .

كانَتْ تِلكَ المرأةُ هي آسيةُ بنتُ مُزاحمٍ.. وَمَعَها مريمُ بنتُ عِمرانَ وسارةُ زوجةُ ابراهيمَ عليه السلام وصفراءُ بنتُ شُعيبٍ.. فَجَلَسْنَ حَولَها.. وقُمنَ بِواجِبِهِنَّ حَتّى وَضَعتْ فاطمةَ عليها السلام كما قالَ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وآله وسلم طاهرةً مطهّرةً.. تَلَقّتْها إحداهُنَّ.. فَغَسَلَتْها بِماءِ
الكَوثرِ ونَشَّفتْها.. ثُمَ أخرَجَتْ مِنَ القماشِ قِطْعَتَينِ بَيضاوَتينِ أشدَّ بَياضاً مِنَ اللَّبَنِ.. وأطيبَ رائحةً مِنَ المِسكِ والعَنبَرِ.. فَلَفَّتْها بواحدةٍ.. وقَنّعتْها بالثانيةِ.. ثُمَّ استَنطَقَتْها ، فَنَطَقَتْ فاطِمَةُ عليها السلام بالشَهادةِ قائِلةً : أشهدُ أن لا إلهَ إلاّ اللهُ.. وأنّ أبيَ محمّداً رسولُ اللهِ.. وأنَّ عليّاً سَيّدُ الاَوصياءِ.. ووُلْدي سادةُ الاَسباطِ..

ثُمَّ سَلَّمَتْ على كلِّ واحدةٍ منهنَّ باسمِها.. فَأقْبَلْنَ عَلَيها ضاحكاتٍ.. ثُمَّ عَرَجْنَ إلى السَّماءِ... بَعدَ أنْ تَناولَتْها خديجةُ فَرِحةً بها مستبشرةً.. فَوضَعَتْها في حِجْرِها.. وألقَمَتْها ثَدْيَها فَدَرَّ عليها لَبناً.. وما أسْرعَ ما لُقِّبَتْ فاطمةُ عليها السلام بالزهراءِ.. ففي ولادَتِها أزهَرَتْ الاَرضُ.. وأشْرَقَتْ الفَلَواتُ.. وأنارَتْ الجبالُ والربواتُ.. وَهَبَطَتْ الملائكةُ إلى الاَرضِ.. فَنَشَرَتْ أجنِحَتَها في المشرِقِ والمغرِبِ.. وضَرَبَتْ عليها سُرادِقُ البَهاءِ.. وغَشيَ أهلَ مَكّةَ ماغَشِيَهُمْ مِنَ النّورِ..
دَخَلَ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وآله وسلم على خديجةَ فَرِحاً مُسْتَبشِراً وهو يقولُ لَها : ياخديجةُ لا تَحزَني إنْ كانَ قَدْ هَجَرَكِ نساءُ مَكّةَ.. وَلَنْ يَدْخُلْنَ عَليكِ.. فها أنا أرى الحور يَنْزِلْنَ مِنَ السماءِ عَطِراتٍ.. يَشُعُّ مِنْهُنَّ نورٌ يَلْتَهِبُ التِهاباً.. وتَفُوحُ مِنهُنَّ رائحةٌ تَسُرُّ أهلَ مَكّةَ جَميعاً.. سَلَّمْنَ فأحْسَنَّ..

وحيَّيْنَ فأَبلغْنَ.. بَعَثَهُنَّ اللهُ تَعالى لِيصبَحنَ في خدمةِ خديجةَ وابنَتِها فاطمةَ الزهراءَ عليها السلام .. بَعْدَ أنْ استَبشَرَتِ الحورُ العِينُ.. وبَشَّرَ أهلُ السماواتِ بعضُهم بَعضَاً.. بولادةِ فاطمةَ الزهراءَ عليها السلام فَقَدْ حَدَثَ في السماءِ نورٌ زاهرٌ لَمْ ترَ مِثلَهُ الملائِكةُ مِنْ قبلُ..

* * *
مَرَّتِ الاَعوامُ.. وفاطمةُ الزهراءُ عليها السلام تَنْمُو في اليومِ كَما يَنْمُو غيرُها في شهرٍ.. وَتَنْمُو في الشَّهرِ كَما يَنْمُو غَيرُها في سنةٍ.. إلى أنْ جاءَ ذلِكَ اليومُ الَّذي كانَ فيه رسولُ اللهِ صلى الله عليه وآله وسلم جالساً مع أصحابِهِ في المسْجِدِ وَبِصُحبَتِهِ عليٌّ بنُ أبي طالبٍ عليه السلام .. إذْ هَبَطَ مِنَ السّماءِ مَلَكٌ على هَيئةٍ لَم يألَفْها الرسولُ صلى الله عليه وآله وسلم مِنْ قبلُ إذْ ظنَّهُ جبرائِيلَ.. وهَمَّ يُقبِّلُ رأسَهُ.. فقالَ لَهُ المَلَكُ : ـ مَهْ يا أحمد(1)أنتَ أكرَمُ عِنْدَ اللهِ تَعالى من أهلِ السماواتِ وأهلِ الاَرضِ أجمعينَ..

فَقَامَ الملَكُ بِتَقبِيلِ رأسِ الرسولِ صلى الله عليه وآله وسلم ويَدَهُ.. وفي أثْناءِ ذلِكَ قالَ لَهُ الرَّسُولُ: ـ حَبيبي جبرائيلُ.. ما هذِهِ الصورةُ التي لَمْ تَهبِطْ عليَّ بِمثلِها.. ؟!

فَقَالَ الملَكُ: ـ ما أنا بِجبرائيلُ.. لكنّي مَلَكٌ يَقالُ لِي محمودٌ.. وبَينَ كَتْفَيَّ مكتوبٌ لا إلهَ إلاّ اللهُ.. محمّدٌ رسولُ اللهِ.. علي ولي الله.

وفي هذهِ الاَثناءِ نَزَلَ مِنَ السّماءِ جِبرائيلُ ، ومِيكائيلُ ، واسرافيلُ.. وَسبعونَ ألفاً مِنَ الملائكةِ قَدْ حَضَروا مَعَهُمْ.. بَينما كان المَلكُ محمودُ يقولُ لِرَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وآله وسلم : ـ بَعَثَني اللهُ تعالى لاَُزوِّجَ النورَ مِنَ النّورِ..

فقالَ الرسولُ صلى الله عليه وآله وسلم : ـ والنورُ..

فَأجابَهُ محمودٌ : ـ فاطمةَ من عليٍّ عليه السلام .

فَالْتَفَتَ النبيُّ صلى الله عليه وآله وسلم إلى عليٍّ بنِ أبي طالبٍ عليه السلام وَهُوَ يقولُ لَهُ : ـ قَدْ زَوَّجْتُكَ على ما زَوَّجكَ اللهُ مِنْ فوقِ سَبعِ سماواتٍ.. فَخُذْها إليكَ..

ثمَّ التَفتَ النَّبيُّ صلى الله عليه وآله وسلم إلى محمودٍ قائلاً لَهُ : ـ مُنذُ متى كُتِبَ هذا بينَ كَتْفَيكَ.. ؟ فقال محمودٌ : ـ مِن قبلِ أنْ يَخلُقَ اللهُ آدم بألفَي عامٍ..

ثُمَّ ناولَ جِبرائيلُ النبيَّ محمّداً صلى الله عليه وآله وسلم قَدَحاً فيهِ طيبٌ مِنْ طِيبِ الجْنَّةِ وَهُوَ يَقولُ: ـ يا حَبيبي يا محمّدُ مُرْ فاطمةَ أنْ تُدهِنَ رَأسَها وَبَدَنَها مِنْ هذا الطيبِ..

فَصارتْ فاطمةُ الزهراءُ عليها السلام كلَّما مَرَّرَتْ يَدَها على رأسِها أو بَدنِها.. شَمَّ أهلُ المدينةِ رائحةَ ذلِكَ الطيبِ..

* * *
كانَتْ فاطمةُ الزهراءُ عليها السلام دائماً تَشْتَغِلُ بالعبادةِ وفي إحدى لَيالي الجُمَعِ وَهيَ مشغولةٌ.. كانَ وَلَدُها الاِمامُ الحسنُ عليه السلام يُراقِبُها وهيَ في مِحرابِها راكعةٌ.. ساجدةٌ.. ثُمَّ راحَ يَتأمَّلُها وَهيَ تَدعُو إلى جميعِ النساءِ.. والرّجالِ.. والاَطفالِ مِنَ الجيرانِ الّذينَ يَسكُنونَ حَولَ بَيتِها الشريفِ.. وَمَضَتْ ساعاتُ اللّيلِ شَيئاً فَشَيئاً.. حتّى بَزَغَ الفَجْرُ..


والاِمامُ الحسنُ عليه السلام يَتَأمَّلُ أُمَّهُ فاطمةَ الزهراءَ عليها السلام وكأنَّهُ يَنْتَظِرُ مِنْها شَيئاً.. يا تُرى مَاذا كانَ يَنتظِرُ الاِمامُ الحسنُ عليه السلام ؟! وحِينَ انتهتْ فاطمةُ الزهراءُ عليها السلام من عبادَتِها ودُعائِها.. بادَرَها الاِمامُ الحسنُ عليه السلام سائلاً : ـ لِمَ لَمْ تَدعِ لِنَفْسِكِ يا أمّاهُ.. كما دعوتِ لغَيرِكِ..؟
فأجابَتْ فاطمةُ الزهراءُ عليها السلام وَلدَها قائلةً : ـ يا بُنيَّ.. الجارُ ثُمَّ الدارُ..

هَكذا كانت بَضْعَةُ المصطفى عليها السلام تَهْتَمُّ بِأُمورِ المُسلمينَ وتَحرِصُ على طَلَبِ الخَيرِ
والسعادةِ لَهُمْ ، ولكنْ ما إنْ انتَقَلَ رَسولُ اللهِ صلى الله عليه وآله وسلم إلى الرّفِيقِ الاَعْلى حتّى صُبَّتْ عَليها المصائِبُ ، وتَعَرَّضَتْ للظُلْمِ الفادِحِ والاَذى الكبيرِ مِنْ لَدُنِ السُلطةِ الحاكمةِ، فَعاشَتْ الحُزْنَ واللّوعَةَ إلى أنْ قَضَتْ نَحبَها صابِرَةً مَظلومَةً مُحتَسِبَةً وَلَحِقَتْ بأبِيها رَسولِ اللهِ صلى الله عليه وآله وسلم وَهيَ تَشْكُو إليهِ ما لَقَتْهُ مِنْ ظُلمٍ وآلامٍ ، وَدُفِنَتْ لَيْلاً ، وَلَمْ يُعرَفْ قَبْرُها ، وتِلكَ هيَ الظُلامَةُ الكُبرى .
لَقد عاشتْ عليها السلام والرسولُ يَدعوها (أُمُّ أبيها) ، وحَسْبُ الزهراءِ البتولِ مِنْ ظُلمَها قَوْلُ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وآله وسلم فِيها : «فاطمةُ بَضْعَةٌ مِنّي مَنْ آذاها فَقدْ آذاني» .