الذبيح
هاجَر سيدنا ابراهيم من أرض النهرين ، أخذ معه زوجته سارة و ابن خالته سيدنا لوط ( عليه السلام )، ذهبوا إلى مملكة الاقباط ، و هناك أهدى الملك فتاةً اسمها هاجر إلى سارة إكراماً لزوجة خليل الرحمن .مضى سيدنا إبراهيم إلى فلسطين ، في الطريق و عندما وصلوا إلى قرية « سدوم » على سواحل البحر الميّت أمر سيدنا إبراهيم لوطاً أن يسكن في تلك القرية و يدعو أهلها إلى عبادة الله سبحانه .
أما سيدنا إبراهيم فقد واصل طريقه مع زوجته سارة و الفتاة هاجر إلى أرض فلسطين .
رأى سيدنا إبراهيم وادياً جميلاً تحيطه الراوبي و التلال فالقى رحله هناك .
و منذ ذلك التاريخ و قبل آلاف السنين سكن سيدنا إبراهيم الأرض التي تدعى اليوم بمدينة الخليل .
ضرب سيدنا إبراهيم خيامه في ذلك الوادي الفسيح و ترك ماشيته ترعى بسلام .
كان ذلك الوادي في طريق القوافل المسافرة ، لهذا كان يقصده الكثير من المسافرين فيجدون عنده الماء العذب ، و الطعام الطيب و الكرم و الاستقبال الحسن ، و يجدون عنده الكلمات الطيبة .
كان سيدنا إبراهيم يتحدث مع ضيوفه ، و كان همّه أن يعبد الناس الله الواحد الأحد لا شريك له و لا معبود سواه .
و تمرّ الايام و الأعوام و عرف الناس إبراهيم الرجل الصالح الكريم . عرفوا أخلاقه و كرمه و حبّه للضيوف ، عرفوا صلاحه و عبادته و تقواه . و عرفوا حبّه للخير و الناس .
و لكن من يدقق النظر في وجه سيدنا إبراهيم ( عليه السلام )يرى حزناً في عينيه . . لماذا ؟ لان سيدنا إبراهيم يحبّ الاطفال .
كان يتمنّى ان يكون له طفل .
و ها هو الآن قد أصبح شيخاً كبيراً و أصبحت زوجته عجوزاً و لم يرزقا طفلاً يأنسا به و يملأ بفرحته خيمتهما ، أو يلعب مع الحملان و الخراف .
سارة زوجة سيدنا إبراهيم كانت تحبّ زوجها و لا تريد له أن يحزن ، لهذا قالت له ذات مساء .
ـ أنت تحبّ أن يكون لك أطفال و ذريّة .
قال سيدنا إبراهيم :
ـ انها مشيئة الله و إرادته و أنا راض بذلك .
قالت سارة المرأة الصالحة :
ـ أنا أحب أن يكون لنا طفل نرعاه و . نحبّه و يحبّنا .
ـ و لكن !! يا خليل الرحمن أعرف أنني قد أصبحت عجوزاً و لكن سأهب لك جاريتي هاجر . تزوّجها فلعلّ الله أن يرزقنا منها أولاداً .
قال إبراهيم :
ـ أنا لا أريد أن تحزني بسببي يا سارة .
ـ لن أحزن يا خليل الرحمن . سأفرح بفرحك .
و هكذا وهبت سارة جاريتها هاجر إلى زوجها إبراهيم فتزوّج سيدنا إبراهيم .
و لم تمض تسعة اشهر حتى سُمع بكاء الطفل . وفرح الجميع بميلاد إسماعيل .
وهب الله سبحانه إبراهيم ولداً هو إسماعيل . كان طفلاً محبوباً ملأ قلب أبيه فرحاً ومسرَّة . لهذا كان يحتضنه ويقبّله و كان يقضي بعض أوقاته في خيمة أمّه هاجر .
سارة المرأة الصالحة كانت تحبّ سيدنا إبراهيم ، تحبّ أن يفرح زوجها . و لكنها بدأت تغار من هاجر . هاجر التي رزقت طفلاً أمّا هي فظلّت محرومة .
سارة لا تريد للغيرة أن تأكل قلبها . لا تريد أن تكره أو تحقد على هاجر بسبب ذلك .
من أجل هذا قالت لزوجها إبراهيم : انها لا تريد أن ترى هاجر بعد الآن . لأنها اذا رأت هاجر فستغار منها وتحقد عليها وهي لا تريد أن تدخل النار بسبب ذلك .
الله سبحانه رؤوف بعباده . كانت سارة محرومة من الأطفال تحمّلت العذاب والهجرة بسبب إيمانها بزوجها إبراهيم و هي صابرة طوال هذه السنين . ظلّت مؤمنة بربها و برسوله إبراهيم .
و قضت مشيئة ربّنا سبحانه ان يأخذ إبراهيم هاجر و ابنها إسماعيل إلى أرض بعيدة في الجنوب .
امتثل سيدنا إبراهيم لأمر الله فشدّ الرحال إلى مكان مجهول لم يذهب اليه من قبل .
و سار إبراهيم مع زوجته هاجر ، ومعها إسماعيل الطفل الرضيع سارا أيّاماً طويلة . و في كل مرّة و عندما يرى سيدنا إبراهيم مكاناً جميلاً أو وادياً معشباً كان ينظر إلى السماء ، كان يتمنّى أن يكون قد وصل المكان الموعود .
و لكن الملاك يهبط من السماء و يخبره باستئناف المسير .
و هكذا كان سيدنا إبراهيم يسير ويسير ومعه زوجته هاجر و هي تحمل طفلها الرضيع .
و بعد أيام طويلة وصلوا أرضاً جرداء عبارة عن وادٍ ليس فيه سوى الرمال ، وبعض شجيرات الصحاري الجافّة .
في ذلك المكان هبط الملاك و اخبر سيدنا إباهيم بانه قد وصل الأرض المقدسة .
نزل إبراهيم في ذلك الوادي . كان وادياً خالياً من الحياة ليس فيه نهر و لا نبع و لا يعيش فيه إنسان .
إنها إرادة الله أن يعيش الصبي إسماعيل و امّه في هذا المكان .
قبّل سيدنا إبراهيم طفله الوديع إسماعيل . بكى من أجله .
على إبراهيم أن يعود و يترك هاجر و ابنها في هذا المكان الموحش بكى إبراهيم من أجلها و هو يبتعد عائداً إلى فلسطين .
التفت هاجر حواليها لم تر شيئاً سوى الرمال وسوى صخور الجبال الصماء . قالت لزوجها :
ـ أتتركنا هنا . في هذا الوادي الموحش ؟!
ـ لقد أمرني الله بذلك يا هاجر .
كانت هاجر امرأة مؤمنة عرفت ان الله رؤوف بعباده ويريد لهم الخير و البركات .
قالت لابراهيم :
ـ ما دام ان الله قد أمرك فهو كفيلنا و هو يرعانا . . انه لا ينسى عباده .
ابتعد إبراهيم بعد ان ودّع ابنه و زوجته .
وقف فوق التلال و نظر إلى السماء و ابتهل إلى الله أن يحفظهما من الشرور .
اختفى إبراهيم في الافق البعيد . لم تعد هاجر تراه ، أمّا إسماعيل فلم يكن يعلم ماذا يجري حوله .
فرشت هاجر لابنها جلد كبش ، وقامت لتصنع لها و لطفلها خيمة صغيرة .
كانت تعمل بكل طمأنينة ، و كأنها في بيتها . كانت تؤمن أن هناك من يرعاها و يرعى و ليدها . في النهار تجمع بعض الحطب و في المساء توقد النار و تصنع لها رغيفاًً تتعشّى به ، و كانت تسهر معظم الليل و هي تنظر إلى السماء المرصعة بالنجوم .
مضت عدّة أيام و هاجر على هذه الحال . نفد ما معها من الماء . لم يبق في القربة حتى قطرة واحدة .
نفد الماء كلّه . لم تبق منه قطرة واحدة . الوادي الموحش يملأه الصمت .
راحت هاجر تدير بصرها في جنبات الوادي . و لكن لا شيء ، ايقنت ان هذه أرض جرداء خالية من الماء . لم يمرّ بها انسان من قبل و لا يطير في سمائها طائر .
بكى إسماعيل الطفل الرضيع كان عطشاناً يبحث عن قطرة ماء . انه لا يدرك ما يجري حوله .
لا يدري في أي مكان هو في هذه الأرض .
نظرت امّه اليه باشفاق . ماذا تفعل . .من أين لها أن تأتي بالماء في هذه الصحراء ؟!
فجأة تفجَّرت في قلبها إرادة الأمومة . لابدّ ان تفعل شيئاً . لا بد أن يوجد في هذه الأرض ماء و لو قطرة .
لعل في خلف هذا الجبل غدير أو نبع . لعل خلف ذاك التلّ بئر حفره إنسان طيّب من أجل القوافل المسافرة .
نهضت هاجر . نظرت حواليها لتتأكد من عدم وجود ذئب أو ضبع يفترس ابنها الرضيع . لا شيء سوى شجيرات الشوك هنا و هناك . ركضت هاجر باتجاه جبل الصفا .
كانت تركض بعزم و أمل و كان هناك خوف في قلبها . فقد يختطف الذئب صغيرها الظامئ إسماعيل .
كان صراخ إسماعيل يدوّي في أذنها .
ارتقت هاجر قمّة الجبل . فنظرت في الوادي . رأت ما يشبه تموجات الماء . انحدرت باتجاه الوادي .
و لكن لا شيء لم تكن هناك غير الرمال . لقد كان مجرد سراب ما رأته في قلب الوادي .
عادت هاجر تركض نحو طفلها إسماعيل . ما يزال يبكي يصرخ يريد ماءً . نظرت إلى جبل المروة في أمل . لعل هناك ماءً .
راحت تركض باقصى سرعة . و كانت الرمال تتطاير تحت قدميها .
تراءى لها ما يشبه الماء . ركضت . ركضت . ركضت . بسرعة . و لكن لا شيء سوى السراب . انقطع بكاء إسماعيل غاب عن بصرها .
عادت بسرعة . رأته من بعيد يبكي . ما يزال يطلب الماء . و ربّما كان يبحث عن أمّه . كان خائفاً .
راحت هاجر تعدو بين جبل الصفا و جبل المروة تبحث عن ماء لوليدها إسماعيل . سيموت من الظمأ ، سيموت من العطش . نظرت إلى السماء صاحت من كل قلبها : يا رب :
ارتقت جبل المروة غاب إسماعيل عن بصرها . انقطع بكاؤه . خافت هاجر ربّما يكون قد مات . ربّما افترسه ذئب جائع .
أقبلت تعدو بكل ما أُتيت من قدرة رأت من بعيد إسماعيل هادئاً كان يحرّك يديه و قدميه و كان هناك نبع قد تفجّر عند قدميه الصغيرتين .
نظرت هاجر إلى السماء و هي تبكي ، لقد استجاب الله دعوتها فتدفق الماء من قلب الرمال .
أسرعت هاجر لتصنع حوضاً حول الماء . ليكون فيما بعد بئر زمزم التي يشرب منها الظامئون .
شمّت الطيور رائحة الماء فراحت تدور حول النبع سعيدة .
هاجر فرحت بمنظر الطيور البيضاء و هي تحلق في سماء الوادي .
إسماعيل أيضاً كان سعيداً و هو يراها تلعب في الفضاء .
كان السكان في تلك الصحاري يعيشون حياة الرحّل . ذات يوم مرّت قبيلة جرهم قريباً من الوادي فرأى الناس طيوراً تحلق في السماء .
عرفوا أنّ في ذلك الوادي ماءً . لهذا توجهوا نحوه .
عندما انحدرت قوافلهم في الوادي شاهدوا منظراً عجيباً لم يكن هناك سوى امرأة مع ابنها الرضيع .
قالت لهم المرأة : أنا هاجر زوجة إبراهيم خليل الرحمن .
كان افراد قبيلة جرهم أُناساً طيبين . قالوا لهاجر :
ـ هل تسمحين لنا في السكن في هذا الوادي ؟
السيدة هاجر قالت لهم : حتى استأذن لكم خليل الرحمن .
ضرب أفراد جرهم خيامهم قريباً من الوادي ريثما يأتي سيدنا إبراهيم فيستأذنوه .
جاء سيدنا إبراهيم و رأى مضارب الخيام . رأى قطعان الماشية و الجمال لهذا فرح بقدوم تلك القبيلة العربية .
و منذ ذلك الوقت استوطنت قبيلة جرهم الوادي وعاش إسماعيل و هاجر حياة طيبة .
أفراد القبيلة قدّموا لاسماعيل كثيراً من الخراف ، و ضربوا له و لوالدته خيمة جميلة تقيهم حرّ الشمس في الصيف و تحميهم من المطر في الشتاء .
كبر إسماعيل و تعلّم لغة العرب . كان فتى طيباً ورث أخلاق أبيه إبراهيم وتأثَّر بأخلاق العرب الطيبين تعلّم منهم الكرم و الضيافة و الشجاعة و الفروسية .
قال سيدنا إبراهيم لولده :
إنّ الله يامرني أن ابني بيته فوق هذا التل الصغير !
لبّى إبراهيم أمر الله و لبى إسماعيل دعوة أبيه إبراهيم لبناء بيت الله .
كان على إبراهيم الشيخ الكبير و إسماعيل الفتى أن ينهضا بهذه المهمة الشاقة .
عليهما أولاً أن ينقلا الصخور المناسبة للبناء من الجبال المحيطة بالوادي .
و كان عليهما أن يجمعا التراب و يوفرا الماء الكافي لصنع « الملاط » اللازم في بناء البيت .
و هكذا بدأ البناء نقلوا أوّلاً الصخور من الجبال المحيطة بالوادي و صنعا حوضاً للماء و جمعا التراب .
كان الفتى إسماعيل يتولّى حمل الصخور . كان ينتخب الصخور الصلبة لتكون أساساً قوياً في البناء .
جمع كثيراً من الصخور الخضراء اللون . ثم صبَّ الماء في حوض التراب ليصنع طيناً لزجاً يشدّ الصخور إلى بعضها .
كان سيدنا إبراهيم يرصف الصخور الخضراء الواحدة بعد الاخرى ليبني أساس البيت .
أمّا إسماعيل فكان يناول أباه الصخور .
في كل يوم كانا يبنيان سافاً واحداً ، ثم يعودا في اليوم التالي لبناء ساف آخر و هكذا .
في كل يوم كان البناء يرتفع قليلاً . و في كل يوم كان إبراهيم و إسماعيل يطوفان حول البناء و يقولان : ربّنا تقبل منّا انك أنت السميع العليم .
ارتفع البناء في الفضاء تسعة أذرع أي ما يقرب من الثمانية أمتار رأى سيدنا إبراهيم فراغاً في زارية البيت العليا .
في تلك الليلة كانت الشهب تتوهّج في السماء و سقط نيزك فوق سفوح الجبال القريبة .
في الصباح انطلق سيدنا إبراهيم إلى الجبل المطلّ على الوادي وقعت عيناه على حجر ابيض مثل الثلج كان حجراً بحجم الفراغ . لهذا حمله سيدنا إبراهيم و وضعه في مكانه .
انتهى بناء البيت . بيت الله الحرام ليكون أول بيت يعبد فيه الله وحده لا شريك له .
كان للكعبة بابان باب باتجاه الشرق ، وباب باتجاه الغرب جمع سيدنا إبراهيم نباتاً طيب الرائحة يدعى « الأذخر » فوضعه على الباب ، وجاءت هاجر أم إسماعيل و أهدت إلى الكعبة كساءً .
سمعت قبيلة جرهم و القبائل العربية المجاورة نداء إبراهيم خليل الرحمن .
لم يحج ذلك العام سوى سيدنا إبراهيم و إسماعيل و هاجر .
هبط الملاك جبريل يُعلّم سيدنا إبراهيم مناسك الحج .
اغتسلوا بمياه زمزم و ارتدوا ثياباً بيضاء ناصعة و بدأوا طوافهم حول الكعبة سبع مرات ، و أدّوا الصلاة و دعوا الله أن يتقبل منهم أعمالهم .
و بعدها انطلقوا لقطع الوادي بين جبلي الصفا و المروة و تذكرت هاجر تفاصيل ذلك اليوم قبل أكثر من اثني عشر عاماً عندما كان إسماعيل صبياً في المهد .
تذكّرت بكاءه و بحثها عن الماء . تذكّرت كيف قطعت هذا الوادي الموحش سبعة أشواط تبحث عن الماء و كيف توجهت بقلبها إلى السماء ؟
و كيف تدفق الماء عند قدمي إسماعيل ؟!
الله ربّنا أراد لهذه الحوادث ان تبقى في ذاكرة البشر ، يتذكّروا دائماً ان الله سبحانه هو وحده القادر على كل شيء .
صعد سيدنا إبراهيم و ابنه إسماعيل جبل الصفا و نظر إلى بيت الله بخشوع و هتفا :
ـ لا اله الاّ الله وحده لا شريك له . له الملك و له الحمد يحيي و يميت و هو على كل شيء قدير .
أمضى سيدنا إبراهيم ليلته هناك . نظر إلى السماء المرصّعة بالنجوم .
نظر إلى ما خلق الله من الكواكب التي تشبه المصابيح فسجد لله الخالق البارئ المصور له اللاسماء الحسنى يحيي ويميت و هو على كل شيء قدير .
أغمض سيدنا إبراهيم عينيه و نام . في عالم المنام رأى سيدنا إبراهيم شيئاً عجيباً!!
رأى نفسه يذبح ولده إسماعيل . إنتبه من نومه . كانت السماء ما تزال زاخرة بالنجوم و رأى ابنه نائماً عاد سيدنا إبراهيم إلى نومه .
مرّة أخرى تكررت ذات الرؤيا . رأى نفسه يذبح ابنه و يقدمه قرباناً إلى رب العالمين !
استيقظ سيدنا إبراهيم و قد انفلق عمود الفجر . توضأ و صلى . و استيقظ إسماعيل فتوضأ و صلى طلعت الشمس و غمرت التلال بالنور .
كان سيدنا إبراهيم حزيناً . ان الله عزوجل يمتحنه مرّة أخرى . يمتحنه هذه المرّة يذبح ابنه . ماذا يفعل ؟
لو أمره الله سبحنه بان يقذف نفسه في النار لفعل ، و لكن ماذا يفعل في هذه المرّة عليه أن يذبح ابنه ؟! ترى ماذا يفعل ؟ هل يخبر ابنه بذلك هل يذبحه عنوة و اذا أخبر ابنه هل يقبل ابنه بالذبح ، هل يتحمل إسماعيل آلام الذبح ؟
إسماعيل رأى أباه حزيناً فقال له :
ـ لماذا أنت حزين يا أبي ؟
قال سيدنا إبراهيم :
ـ هناك أمر أقلقني . يا بني إنّي ! أرى في المنام أنّي أذبحك فماذا ترى ؟
أدرك إسماعيل أن الله سبحانه يأمر رسوله إبراهيم أنّ يضحي بولده . إسماعيل كان يحب أباه كثيراً يعرف أنّ أباه لا يفعل شيئاً الاّ بأمر ربّه . انه خليل الرحمن الذي امتحنه الله عندما كان فتى في بابل و حتى بعد أن أصبح شيخاً كبيراً .
عرف إسماعيل أن الله يمتحن خليله إبراهيم . لهذا قال له :
ـ يا أبت افعل ما تؤمر ستجدني ان شاء الله من الصابرين .
سيدنا إبراهيم فرح بذلك كان إسماعيل ولداً بارّاً مطيعاً و مؤمناً بالله و رسوله .
كان إسماعيل يرافق أباه ساكتاً يهيّأ نفسه للحظة الذبح ويدعو الله أن يمنحه الصبر لتحمل الآلام في سبيله .
هاجر عندما رأت سيدنا إبراهيم و إسماعيل قد انطلقا نحو الوادي فكّرت انهما ذهبا لجمع الحطب .
وصل سيدنا إبراهيم و إسماعيل الوادي .
نظر إسماعيل إلى أبيه كانت عيناه مليئتان بالدموع . هو أيضاً بكى من أجل ابيه الشيخ ـ فأراد أن ينهي الأمر بسرعة قال لأبيه :
ـ يا أبي احكم و ثاقي ، و اكفف ثيابك حتى لا تتلطخ بالدم فتراه أمي . يا أبي و اشحذ السكين جيداً و أسرع في ذبحي فان آلام الذبح شديدة .
بكى سيدنا إبراهيم و قال :
ـ نِعْمَ العون أنت يا بني على أمر الله .
أحكم سيدنا إبراهيم الوثاق على كتفي إسماعيل . كان إسماعيل مستسلماً تماماً لأمر الله .
اغمض عينيه . سيدنا إبراهيم أمسك بجبين ولده و أحناه إلى الارض .
جثا إسماعيل الفتى بهدوء كان يودع الحياة ، يودع أمه و أباه . وضع سيدنا إبراهيم السكين على عنق إسماعيل . لحظة واحدة و ينتهي كل شيء .
ماذا حصل في تلك اللحظات المثيرة ؟! هل ذُبح إسماعيل ؟ كلاّ .
سمع سيدنا إيراهيم نداءً سماوياً . يأمره بذبح كبش فداءً لاسماعيل .
نظر سيدنا إبراهيم إلى جهة الصوت . فرأى كبشاً سميناً ينزل من فوق قمة الجبل . كان كبشاً أملح له قرون !
حلَّ سيدنا إبراهيم الوثاق عن ابنه إسماعيل . ثم قدَّم الكبش و ذبحه باسم الله و قدّمه قرباناً إلى ربّنا الرحيم .
و من ذلك اليوم أصبح تقديم الاضاحي من مناسك الحج .
المسلمون في كل مكان يذهبون لزيارة بيت الله . البيت الذي بناه إبراهيم و إسماعيل لعبادة الله . يطوفون حوله و يمجّدون اسمه . و يسعون بين الصفا و المروة كما سعت هاجر من قبل ، و يُقدِّمون القرابين كما قدّم إبراهيم قرباناً من قبل . يفعلون ذلك لأنهم على دين إبراهيم و دين سيدنا إبراهيم هو دين الاسلام الحنيف .
إنّه سيدنا محمّد ( صلى الله عليه و آله ) لماذا ؟ لان سيدنا محمد من ذريّة إسماعيل ( عليه السلام ) فقد عاش سيدنا إسماعيل ( عليه السلام ) و تزوّج و أصبحت له ذرّية .
و من ذرّيته عبد المطلب جدّ سيدنا محمد ( صلى الله عليه و آله ) و هو الذي حفر زمزم و في عهده هاجم الجيش الحبشي مكّة لتدمير الكعبة فدعا عبد المطلب الله سبحانه أنا يحمي البيت الحرام من شرّ الأعداء و استجاب الله أدعية حفيد إبراهيم و إسماعيل و أرسل طيراً أبابيل قصفت جيش ابرهة الحبشي و مزقته .
دعا عبد المطلب الله سبحانه ان يرزقه عشرة بنين و نذر إن رزقه الله ذلك أن يذبح أحدهم قرباناً لله .
ـ لقد رزقني الله عشرة أبناء و عليّ أن أفي بالنذر .
اقترع عبد المطلب بين بنيه العشرة فخرجت القرعة على عبد الله والد سيدنا محمد ( صلى الله عليه و آله ) فأراد عبد المطلب أن يذبح ابنه وفاءً بنذره .
أهل مكّة كانوا يحبّون عبد الله كثيراً لهذا قالوا لعبد المطلب : لا تذبح إبنك و اقرع بينه و بين الابل . و اعط ربّك حتى يرضى .
و هكذا كان عبد المطلب بقرع بينه و بين عشرة من الابل فتخرج القرعة على عبد الله حتى أصبح عدد الابل مئة و عندها خرجت القرعة على الابل . لقد رضي الله بالفداء .
لقد كان عبد الله على وشك أن يذبح و لكن الله رضي بفدائه فهو كإسماعيل الذي افتداه الله بذبح عظيم .
لهذا كان سيدنا محمد ( صلى الله عليه و آله ) يقول : أنا ابن الذبيحين ، لأنه ابن عبد الله بن عبد المطلب الذي هو من ذريّة ذبيح الله إسماعيل
. و اليوم عندما يذهب المسلمون كل عام إلى مكّة لأداء مراسم الحج فانهم يتذكرون جميعاً قصة إسماعيل ذلك الفتى البار المطيع لله و لرسوله .