قصة سيدنا هود



عاصف الغضب
قصة سيدنا هود ( عليه السلام )

كمال السيد


تأمل في خارطة شبه الجزيرة العربية تجد منطقة صحراوية واسعة في الشرق انها منطقة الربع الخالي . . . منطقة خالية من كل آثار الحياة فلا نبات و لا مياه . . .
و لكن هل كانت هذه المنطقة صحراء قبل آلاف السنين ؟
كلاّ كانت في هذه الأرض الموحشة مناطق خصبة و خضراء ، و قد وجد علماء الآثار أطلال مدينة مطمورة تحت الرمال .
في هذه المنطقة و في عصور ما قبل التاريخ عاشت قبائل " عاد " القوية و هي قبائل من العرب البائدة . . لم يذكر عنها التاريخ شيئاً الاّ ما ورد في القرآن الكريم .
عاشت قبائل عاد في تلك المنطقة المعشبة الخضراء . . و كانت السماء تمطر في المواسم . فتخصب الأرض و تمتلأ السواقي و الغدران و تزداد الحقول بهجة .
و هكذا امتلأت أرضهم بالنخيل و العنب و الحقول و توسعت بساتينهم .

اهتم الناس آنذاك بالبناء فكانوا يتفنّنون في العمارة و بناء القصور و القلاع و الحصون .
كانوا أقوياء مغرورين . . أبطرتهم النعمة . . لم يعودوا يستمعون لصوت العقل . .
كانوا وثنيين يعبدون التماثيل . . ينحتونها بأنفسهم ثم يعبدونها .
و هم يبنون معابدهم فوق التلال ثم يضعون فيها تمثالاً و يقولون هذا إله الخصب ، و هذا إله البحر ، و ذاك إله البر ، و هناك إله الحرب .
لهذا كانوا يتجهون إلى تلك الأصنام في كل حاجة تعرض لهم .
كانت أرض الاحقاف خضراء مليئة بالمراعي فكثرت ماشيتهم و أصبحوا اكثر ترفاً و بذخاً و غروراً .
تصوّروا ان كل هذا الخير هو من بركات الآلهة . . لهذا انغمسوا في وثنيتهم اكثر .
ازداد ظلمهم للأبرياء ، و ازداد بطشهم بمن لا يسايرهم في عقائدهم و حياتهم .
الناس الطيبون كانوا يعيشون خائفين . . كانوا أقليّة ضعيفة و كانت أسباب القوّة في أيدي الأغنياء . . و الأغنياء كانوا جميعاً من الأقوياء . . فهم طوال القامة عضلاتهم مفتولة ، و قلوبهم قاسية كأنها منحوتة من الصخر .

في ذلك الزمن و في تلك البقعة من دنيا الله الواسعة عاش سيّدنا " هُود " .
كان انساناً صالحاً طيب القلب محبّاً الخير . . الله سبحانه اختاره نبياً و بعثه رسولاً إلى قومه .
أعلن سيدّنا " هُود " دعوته إلى عبادة الله الواحد الأحد و نبذ الأصنام و الأوثان و الآلهة لأنها مجرّد حجارة لا تضر و لا تنفع .
كان سيّدنا هود شجاعاً لم يخف من الوثنيين . . كانوا أقوياء في الجسم و لكن هوداً كان قويّاً في إرادته و روحه . . انه مع الله و الله معه . . و الله أقوى من كل شيء .
الناس الطيبون آمنوا برسالة هود كانوا قليلين جداً .
الأقوياء المترفون سخروا من هود و من رسالته و قالوا انّه رجل سفيه مجنون ، و راح أهل عاد يؤذون النبي و يهدّدونه .
استمر سيّدنا هود في دعوته و كان يعظ قومه دائماً يذكّرهم بنعمة الله و بركاته و لكن لا فائدة . .

كانوا يتصوّرون ان الآلهة هي التي ترزقهم . . هي ترسل المطر ، و تنبت العشب و تبارك في ماشيتهم فتتكاثر و تزداد و تنمو . .
لهذا قالوا ان هوداً مجنوناً و أن الآلهة فد لعنته – كانوا هم أيضاً يخوفون هود من سوء العواقب اذا ما استمر في دعوته .
قالوا له :
ـ : ان الآلهة ستعاقبك .
سيّدنا هود كان يتحدّى جبابرة عاد و يتحدّى آلهتهم أيضاً .
ظلّ هود مستمراً في رسالته ، و عجز الجبابرة من فعل شيء تجاه سيّدنا هود .
أصبح أهل " عاد " قسمين ، قسم آمن بالله و اليوم الآخر و هم افراد قلائل جداً . . و قسم كفروا برسالة هود و ظلّوا على بغيهم و فسادهم و ضلالهم .
لم يعد هناك أمل في اصلاحهم ظلّوا سادرين في ضلالهم .

جاء موسم المطر . . و لكن السماء لم تمطر . . كانت الغيوم تمرّ في سماء الاحقاف و ترحل بعيداً . . أو كانت تتجمع ثم تتبدد . . كان أهل عاد يعيشون على المراعي و الزراعة و ما تهبهه البساتين من الفاكهة .
مرّ ذلك العام دون مطر .
نقصت محاصيلهم . . و بعض الماشية نفقت بسبب الجوع و ماتت بعض الأشجار . .
أهل عاد اتجهوا إلى أوثانهم يعبدونها و يقدّمون لها القرابين . . و لكن دون جدوى .
حل الموسم الآخر . . و تجمعت الغيوم . . أهل عاد فرحوا و استبشروا كانت الغيوم سوداء . . قال بعضهم أنها مثقلة بالمطر الغزير و لكن تلك الغيوم سرعان ما تفرّقت .
ضاعفوا عدد القرابين . . و لكن الغيوم كانت تظهر و تختفي و كانت الرياح التي تهب تحمل لهم الرمال فقط . .
الايمان يعني الخصب :

جاء سيّدنا هود و وعظ قومه . قال لهم انا احبكم . . أريد لكم الخير قال لهم : { .. يَا قَوْمِ اسْتَغْفِرُواْ رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُواْ إِلَيْهِ يُرْسِلِ السَّمَاء عَلَيْكُم مِّدْرَارًا وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلَى قُوَّتِكُمْ }[1].
لم يستمع أهل عاد إلى موعظة رسول الله اليهم ، أعرضوا عنه و هدَّدوه و توعَّدوه ، و انصرفوا إلى ذبح القرابين و تقديمها إلى الآلهة . .
و مضى موسم المطر ، و لكن لم تنزل قطرة واحدة و اجتاح الجفاف مناطقهم .
تحوّلت أرضهم الخضراء إلى صحراء . . نفقت ماشيتهم و ذبلت اشجارهم . .
و حلَّ العام الثالث . . كان عاماً عصيباً جداً أصبحت المياه نادرة جداً الا مايكفي لسقي الماشية فقط اما الحقول فقد ظلّت دون ماء .
في كل يوم كانوا يخرجون إلى معابدهم يعبدون الاصنام و يتضرعون اليها و كان سيّدنا هود ينصح قومه يدعوهم إلى الايمان بالله عز و جل لأنه هو وحده القادر على كل شيء . . أما الأصنام فلا قيمة لها لأنها مجرّد حجارة . .

إرم المدينة العجيبة :

كان أهل عاد قد بنوا في تلك الفترة أعظم مدينة في العالم هي مدينة إرم " التي لم يخلق مثلها في البلاد " .
كانت مليئة بالقصور و الحدائق و البساتين . . و كان " شدّاد " الرجل الجبّار الوثني هو الذي أمر ببنائها لتكون جنّة يعيش فيها . .
كان يتصوّر أنه سيبقى خالداً و أنه لن يموت . . لقد كان قويّاً جداً تصوّر أنه سيبقى حيّاً إلى الأبد .

عاصفة الدمار :

حل الموسم الثالث لهطول المطر . . و لكن لا شيء سوى الجفاف ، و ساد القحط . . و كانت الرياح تهبّ فتدفع أمواج الرمال باتجاه الوديان التي كانت ذات يوم خضراء .
ضربت المجاعة أرض الاحقاف . . و ما زال سيّدنا هود يدعوهم إلى الايمان و نبذ الأصنام . .
الله سبحانه هو القادر هو الذي يرسل المطر فيحيي الأرض بعد موتها . . الله عز و جل هو الذي يبعث الخصب في الوديان و السهول . .
الأصنام و الأوثان حجارة صمّاء لا تضرّ و لا تنفع . .
و لكن قبائل عاد لم تؤمن برسالة هود . . الناس كانوا يطيعون الجبابرة .
امّا هود فلم يؤمن به أحد الاّ بعض الناس الطيبين . . في الموسم الثالث خرج سكان الاحقاف ينظرون إلى السماء . . كانوا ينتظرون الغيوم و المطر . .
السماء كانت صافية زرقاء و لا أثر للغيوم . . الوثنيون فكروا بتقديم المزيد من القرابين . . فقد ينقذهم إله الخصب من القحط و الجفاف . . و لكن لا شيء .
جاء سيّدنا هود و وعظهم للمرّة الأخيرة . . نصحهم بالتوبة و العودة إلى الله . . الله وحده الذي يرسل المطر و يبعث الخصب .

و لكن قوم عاد نهروا سيّدنا هوداً و قالوا له : اذهب ايها المجنون انت رجل كذّاب . . ليرسل ربّك علينا العذاب اذا كنت صادقاً . . اننا لن نترك آلهتنا . . الهتنا هي التي ترزقنا و ترسل لنا المطر و تبعث الخصب في أرضنا و تبارك في ماشيتنا ان الآلهة لن تنسى ذلك .
كان سيّدنا هود حزيناً من أجل قومه كان يريد لهم أن يؤمنوا حتّى يعيشوا حياة كريمة هانئة . .

مرّت ساعات . . ظهرت في الأُفق غيوم سوداء رهيبة . . كانت الغيوم تزحف شيئاً فشيئاً حتى غطّت سماء الأحقاف كلّها . .
فرح أهل عاد بالغيوم . . قالوا :
لقد استجابت الآلهة أدعيةنا . . فارسلت لنا غيوماً مثقلة بالمطر . . سوف تخصب الوديان و تعود الخضرة إلى البساتين .
قال سيّدنا هود و هو يرى نذر العذاب . .
كلاّ بل هو ما استعجلتم ريح فيها عذاب أليم تدمّر كل شيء ، أوى سيّدنا هود إلى الجبل و لجأ المؤمنون . . و أصبح العذاب قاب قوسين أو ادنى . . كان الوقت يمرّ و كان الوثنيون يحدّقون في الغيوم السوداء المتراكمة كانوا ينتظرون المطر . . و لكن دون جدوى .
بدأ هبوب الرياح البادرة سوف تنقض العاصفة المدمّرة . . في السماء اشتعلت البروق و انقضّت الصواعق الرهيبة و دوّت الرعود . . كان صوت الرعد هائلاً مخيفاً انخلعت له قلوب الكافرين .
أصيب الوثنيون بالهلع و فرّوا إلى منازلهم كانوا ينظرون بياس إلى الغيوم .
لم يفكّروا بكلمات سيّدنا هود لم يفكّروا بمواعظه و نصائحه كانوا ينظرون إلى تلك التماثيل الحجرية فقط . . كانوا يعتقدون ان تلك الحجارة الصمّاء هي التي ترزقهم و تمنحهم الخير و البركة و النماء .

بدأت عاصفة الغضب السماوي . . كانت الرياح عنيفة و جافة و كانت قارسة البرد . .
لم تكن رياحاً تحمل السحب و لا المطر كانت طوفاناً من البرد الشديد و الرمال الكثيفة .
مرّت الساعات مخيفة و العاصفة لم تهدأ أبداً و كانت أمواج الرمال تزحف باتجاه الوادي .
كان قوم عاد مغرورين بقوّتهم . . كانوا يتصوّرون أنهم سيتغلبون على القحط و الجفاف و العاصفة .
تصوّروا ان العاصفة ستهدأ في الليل أو في صباح اليوم التالي .
بدأت الرياح المدمّرة هبوبها صباح الاربعاء و ظلّت تعصف بعنف مدّة سبع ليال و ثمانية أيام .
لم تهدأ و لم تتوقف إلاّ في صباح الأربعاء . . لم تهدأ الاّ بعد أن طمرت الوادي الخصيب بالرمال و اندثرت مدينة إرم العجيبة . . تحطمت المنازل و تهاوت الأعمدة المرمرية الهائلة امّا أُولئك الرجال الذين كفروا برسالة هود ( عليه السلام ) فقد سقطوا فوق الرمال . . كانوا طوال القامة لهذا بَدَو مثل جذوع النخل اليابسة . .

أمّا التماثيل فسقطت على وجوهها و تحطمت و تحولت تلك المعابد الوثنية إلى أنقاض . .
لقد حلّت اللعنة عليهم . . كانوا طغاة جبارين ليست في قلوبهم ذرة من الرحمة . . كانت حياتهم كلها عبث في عبث . . حتى عندما كانوا يبنون قصورهم كانوا يفعلون ذلك لمجرّد العبث .
لم يكونوا يستفيدون منها أبداً ، لهذا غضب الله عليهم بسبب كفرهم و اضطهادهم للمؤمنين .
من أجل هذا أهلكهم و أنقذ سيّدنا هوداً و الذين آمنوا معه حتى يعود الناس إلى فطرتهم و يبدأون حياة إنسانية جديدة مليئة يالخير و الخصب و النماء .